معاني النصر
أولها: أن المجاهد إذا خرج إلى الجهاد يكون قد حقق انتصاراً على نفسه وعلى المحبوبات الثمانية التي ذكرها الله في الآية وما يتفرع عنها.
الثاني: وإذا خرج المجاهد أيضاً يكون قد حقق انتصاراً على شيطانه الذي ثبت في الحديث أنه يقف له في طريق الجهاد ليصده عنه.
الثالث: وبخروجه أيضاً يكون قد حقق نصراً لأنه أصبح من أهل قوله تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين}، والهداية أعظم نصر وهي أولى الخطوات إلى الجنان.
الرابع: وبخروجه للجهاد يكون قد حقق نصراً على المثبطين من بني جلدته والذين يصدون عن الجهاد بكل سبيل وبكل حيلة.
الخامس: ونصر المجاهد أيضاً يتمثل في ثباته على طريق الجهاد رغم ما يصيبه من نصب وشدة وما يعرض له من تثبيط وخذلان يقول الله تعالى {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء }، فمن ثبت على طريق الجهاد واستمر بأداء هذه الشعيرة وأصبح من أهل هذه الآية يعد منتصراً حقاً .
السادس: ويتحقق نصر المجاهد أيضاً عندما يخرج ليبذل نفسه ووقته وماله في سبيل مبادئه ونصرة لمعتقده ودينه، فإن الفداء لهذا الدين هو انتصار بنفسه سواء كانت له الغلبة أو لعدوه.
السابع: ومن معاني النصر أن ينصر الله عباده نصر حجة وبيان، فبالجهاد يظهر الحق ويعلو كما نصر الغلام.
الثامن: ومن أنواع نصر الله للمجاهدين أن يهلك عدوهم بقارعة من عنده ويكون سبب تلك القارعة هو جهاد المجاهدين، كما حصل لأقوام الأنبياء.
التاسع: ومن صور النصر أيضاً أن يكون الجهاد سبباً في فقر الكافرين وموتهم على كفرهم وعدم هدايتهم، وهذا من أعظم أنواع النصر، فحربهم للدين ومجابهتهم للمجاهدين تصبح سبباً لضلالهم وإيغالهم في الكفر حتى الموت، كما حصل لفرعون وقومه بدعاء موسى وهارون عليهما السلام .
العاشر: ومن صور النصر أن يتخذ الله من عباده شهداء، قال تعالى{ وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين }، فكل عبد يعمل ويكدح لله تعالى إنما ذلك من أجل أن يدخل الجنة، والجهاد هو أخصر الطرق إلى الجنة، والشهادة هي أعظم انتصار لازم يحققه المجاهد .
الحادي عشر: ومن صور النصر أيضاً النصر الميداني نصر المعركة وهذا هو الذي يعرف معناه كل الناس، وكثير منهم يحصر النصر به فقط وهذا خلل في المفهوم، فلا بد من اصطحاب جميع أنواع النصر السابق ذكرها وما في معناها.
معاني الهزيمة
وأول معاني الهزيمة: اتباع ملة الكافرين أو أهوائهم:
قوله تعالى: { ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير }، وقال تعالى في الآية الأخرى { ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين }، فعندما يرتد المسلم على عقبيه ويعلن اتباعه لملة اليهود والنصارى أو أية ملة كفرية أخرى من علمانية أو بعثية أو شيوعية أو حداثية، سواء كان هذا الاتباع كلياً أو جزئياً، فإن هذا يعد أعلى أنواع الهزيمة، حتى لو حقق المتبع رضا اليهود والنصارى وغيرهم من ملل الكفر، وحقق من الثراء والرياسة والقيادة مالم يتحقق له بعدم اتباعه لملتهم .
ثاني معاني الهزيمة: المداهنة للكافرين:
قال تعالى: { فلا تطع المكذبين، ودوا لو تدهن فيدهنون } وقوله: { فلا تطع المكذبين } نهي من الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يطيع المكذبين - وهم كفار مكة - بما فيه خلاف الحق، قال القرطبي رحمه الله في تفسيره (18/230): " نهاه عن ممايلة المشركين، وكانوا يدعونه إلى أن يكف عنهم ليكفوا عنه، فبين الله تعالى أن ممايلتهم كفر، وقال تعالى: { ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلاً }، وضل أقوام فظنوا أن المداهنة المحرمة، هي نفسها المداراة الجائزة، فولجوا باب الهزيمة جاهلين أو متجاهلين أنهم ولجوه باسم المداراة الشرعية".
ولتوضيح ذلك نقول: إن باب (المداراة) شيء، و باب (المداهنة) شيء آخر، فتجوز المداراة بخلاف المداهنة، فالمداراة من باب التلطف بالقول مع المخالف، واللين، والرفق، ولا يكون فيها إقرار باطل، أو تقرير له، ونحو ذلك، فإن حصل شيء من هذا فقد انتقل إلى باب ( المداهنة )، والرسول صلى الله عليه وسلم في حديث ( بئس أخو العشيرة ) لم يتكلم بباطل، ولم يقر شيئاً باطلاً، ولم يفعل معصية في عمله – وحاشاه صلى الله عليه وسلم –وهو من باب دفع الشر، أو غيره، ولكنه بطريقة مشروعة ،لم تخالط بمعصية، وقد وردت أحاديث في مدح مداراة الناس لأنها قد تكون من باب حسن الخلق في بعض الأحيان .
والفرق بين المدارة والمداهنة أن المداراة: بذل الدنيا لصلاح الدنيا، أو الدين، أو هما معاً، وهي مباحة، وربما استحبت، والمداهنة: ترك الدين لصلاح الدنيا، ومما سبق يتبين هزيمة أقوام كثر من المنتسبين للإسلام اليوم، حينما داهنوا أعداء الله سبحانه وتعالى، وخدعوا أنفسهم وخدعوا الناس وقالوا إن هذه مداراة شرعية، وما هي إلا هزيمة نكراء، ومداهنة عمياء، قلب الحق فيها باطلاً والباطل حقاً، وبُذل الدين لصلاح الدنيا وصلاح مصالح شخصية وضيعة، فماذا يبقى من معاني النصر بعد هذه الهزيمة المنكرة؟ .
ثالث معاني الهزيمة: الركون والميل للكافرين وأصحاب الباطل:
قال تعالى: {وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا، ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا، إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا }، فمن ركن أو أطاع الكافرين أو الظالمين فرغم أنه متوعد بالنار والعذاب في الآخرة، إلا أنه بركونه إليهم وطاعته لهم يعلنها مدوية أنه هزم شر هزيمة، وأن مبدأه الذي تمسك به زالت معالمه بعد هذا الركون والطاعة، ولو زعم بقوله بأنه ما تزحزح عن مبادئه إلا أن ركونه وطاعته للذين ظلموا أو كفروا يكذبه ويعلن أنه هزم ولا معنى للمبادئ إذا كذبها العمل، فهي لا تعدو أن تكون ادعاءات باطلة وحبراً على ورق، فلا يستقيم أبداً تشدق بالمبادئ وركون للظالمين والكافرين بما يريدون، فما هذه إلا هزيمة مخزية .
ومن تدبر ما سبق من معاني النصر و الهزيمة، يتضح له بجلاء جهل الذين زعموا هزيمة الإمارة الإسلامية، فالمتدبر لهذه المعاني يستيقن بأن الإمارة الإسلامية وعلى رأسهم أمير المؤمنين الملا عمر حفظه الله، انتصروا على العالم كله، وتفضل الله عليهم وحققوا أكثر معاني النصر، وقد رحمهم الله وعصمهم من لحوق معاني الهزيمة بهم، نسأل الله أن يثبت المجاهدين ويمن عليهم بالنصر في الميدان إنه ولي ذلك والقادر عليه .
فينبغي على المسلم أن يتمسك بمعتقده ومبادئه ويعلن دوماً أنه الأعلى وأنه المنتصر مهما أصابه من نصب وقرح قال تعالى: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين، إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله، وتلك الأيام نداولها بين الناس، وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين }.
والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه معين